فصل: تفسير الآيات (3- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.سورة الشعراء:

مكية إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله: {والشعراء يتبعهم الغاوون}.
وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت طه والطواسين من اللوح المحفوظ».

.تفسير الآيات (1- 2):

{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}
{طسم} قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر: طسم، وطس، وحم، ويس بكسر الطاء والياء والحاء، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم، وأظهر النون في يس عند الميم في {طسم}: أبو جعفر، وحمزة، وأخفاها الآخرون. وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال: {طسم} عجزت العلماء عن تفسيرها. وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس: أنه قَسَمٌ، وهو من أسماء الله تعالى، وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: اسم للسورة. قال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله بطوله وسنائه وملكه.
{تِلْكَ} أي: هذه الآيات، {آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}.

.تفسير الآيات (3- 4):

{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)}
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} قاتل نفسك، {أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي: إن لم يؤمنوا، وذلك حين كذبه أهل مكة فشقَّ عليه ذلك، وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله هذه الآية. {إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} قال قتادة: لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله. وقال ابن جريج: معناه: لو شاء الله لأراهم أمرًا من أمره، لا يعمل أحد منهم بعده معصية.
وقوله عز وجل: {خَاضِعِينَ} ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق، وفيه أقاويل: أحدها: أراد أصحاب الأعناق، فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أولا للأعناق، ثم جعل خاضعين للرجال. وقال الأخفش: رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه. وقال قوم: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر، وهو قوله: {هم} على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث. وقيل: أراد فظلوا خاضعين فعبر بالعنق عن جميع البدن، كقوله: {ذلك بما قدمت يداك} [الحج- 10] و{ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء- 13]. وقال مجاهد: أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء، أي: فظلت كبراؤهم خاضعين. وقيل: أراد بالأعناق الجماعات، يقال: جاء القوم عنقًا عنقًا، أي: جماعات وطوائف. وقيل: إنما قال خاضعين على وفاق رؤوس الآي ليكون على نسق واحد.

.تفسير الآيات (5- 10):

{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} وعظ وتذكير، {مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} أي: محدث إنزاله، فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي: كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول، {إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} أي: عن الإيمان به. {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ} أي: فسوف يأتيهم، {أَنْبَاءُ} أخبار وعواقب، {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} صنف وضرب، {كَرِيمٍ} حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، يقال: نخلة كريمة إذا طاب حملها، وناقة كريمة إذا كثر لبنها. قال الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي ذكرت، {لآيَةً} دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} مصدقين، أي: سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون. وقال سيبويه: {كان} هاهنا صلة، مجازه: وما أكثرهم مؤمنين. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} العزيز بالنقمة من أعدائه، {الرَّحِيمُ} ذو الرحمة بأوليائه. قوله عز وجل: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى حين رأى الشجرة والنار، {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يعني: الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.

.تفسير الآيات (11- 17):

{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)}
{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. {قَالَ} يعني موسى، {رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} {وَيَضِيقُ صَدْرِي} من تكذيبهم إياي، {وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} قال: هذا للعقدة التي كانت على لسانه، قرأ يعقوب {ويضيق}، {ولا ينطلق} بنصب القافين على معنى وأن يضيق، وقرأ العامة برفعهما ردًا على قوله: {إني أخاف}، {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة.
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي: دعوى ذنب، وهو قتله القبطي، {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} أي: يقتلونني به. {قَالَ} الله تعالى، {كَلا} أي: لن يقتلوك، {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} سامعون ما يقولون، ذكر {معكم} بلفظ الجمع، وهما اثنان، أجراهما مجرى الجماعة. وقيل: أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون. {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يقل: رسولا رب العالمين، لأنه أراد الرسالة، أي: أنا ذو رسالة رب العالمين، كما قال كُثَيِّر:
لقد كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْثُ عِندَهُم ** بسرٍ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسُولِ

أي: بالرسالة، وقال أبو عبيدة: يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال الله تعالى: {وهم لكم عدو} [الكهف- 50]، وقيل: معناه كل واحد منا رسول رب العالمين {أَنْ أَرْسِلْ} أي: بأن أرسل، {مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} إلى فلسطين، ولا تستعبدهم، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك.
وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا، والمِكْتَلُ معلَّق في رأس العصا، وفيه زاده، فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حين تدعوَ فرعون إلى الله، فخرجت أمهما وصاحت وقالت: إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع موسى لقولها، وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودقَّا الباب، ففزع البوَّابون وقال من بالباب؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما؟ فقال موسى: أنا رسول رب العالمين، فذهب البواب إلى فرعون وقال: إنَّ مجنونًا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين، فترك حتى أصبح، ثم دعاهما. وروى أنهما انطلقا جميعًا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البواب فقال لفرعون: هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ائذن له لعلنا نضحك منه، فدخلا عليه وأدَّيا رسالة الله عز وجل، فعرف فرعون موسى؛ لأنه نشأ في بيته.

.تفسير الآيات (18- 20):

{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} صبيًا، {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} وهو ثلاثون سنة. {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} يعني: قتل القبطي، {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} قال الحسن والسدي: يعني وأنت من الكافرين بإلهك وكنت على ديننا هذا الذي تعيبه. وقال أكثر المفسرين: معنى قوله: {وأنت من الكافرين}، أي: من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفسًا، وكفرت بنعمتنا. وهذا رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية. {قَالَ} موسى، {فَعَلْتُهَا إِذًا} أي: فعلت ما فعلت حينئذ، {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: من الجاهلين، أي لم يأتني من الله شيء. وقيل: من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله. وقيل: من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد. وقيل: من المخطئين.

.تفسير الآيات (21- 22):

{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)}
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} إلى مدين، {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} يعني النبوة، وقال مقاتل: يعني العلم والفهم، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} اختلفوا في تأويلها: فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار. فمن قال هو إقرار، قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل مجازه: بلى وتلك نعمة علي أن عبدت بني إسرائيل، وتركتني فلم تستعبدني. ومن قال: هو إنكار قال قوله: {وتلك نعمة} هو على طريق الاستفهام، أي: أو تلك نعمة؟ حذف ألف الاستفهام، كقوله: {أفهم الخالدون} [الأنبياء- 34]؟ قال الشاعر:
تَرُوحُ من الحيِّ أو تَبْتَكِرْ ** وماذا يَضُرُّكَ لو تَنْتَظِرْ؟

أي: أتروح من الحي؟ قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:
لَمْ أَنْسَ يومَ الرَّحِيلِ وِفقَتَها ** وَطرْفُها في دموعِها غَرِقُ

وقولُها والركابُ واقفةٌ ** تَتْرُكنِي هكذا وتَنْطَلِقُ؟

أي: أتتركني، يقول: تَمُنُّ عليَّ أن ربَّيتني، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة؟. أو يريد: كيف تمنَّ عليَّ بالتربية وقد استعبدت قومي، ومن أهين قومه ذُلّ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليَّ. وقيل معناه تمن علي بالتربية. وقوله: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم، دُفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهلي من يربيني ولم يلقوني في اليم، فأي نعمة لك علي؟ قوله: {عَبَّدْتَ} أي: اتخذتهم عبيدًا، يقال: عبَّدتُ فلانًا، وأعبدته، وتعبدته، واستعبدته، أي: اتخذته عبدًا.

.تفسير الآيات (23- 30):

{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)}
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} يقول: أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إلي؟ يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه بـ {ما}، وهو سؤال عن جنس الشيء، والله منزه عن الجنسية، فأجابه موسى عليه السلام بذكر أفعاله التي يعجز عن الإتيان بمثلها. {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} إنه خالقهما. قال أهل المعاني: أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها فأيقنوا أن إله الخلق هو الله عز وجل، فلما قال موسى ذلك تحير فرعون في جواب موسى. {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ} من أشراف قومه. قال ابن عباس: كانوا خمس مائة رجل عليهم الأسورة، قال لهم فرعون استبعادًا لقول موسى: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن آلهتهم ملوكهم. فزادهم موسى في البيان. {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} {قَالَ} يعني: فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} يتكلم بكلام لا نعقله ولا نعرف صحته، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل، فزاد موسى في البيان: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} {قَالَ} فرعون- حين لزمته الحجة وانقطع عن الجواب- تكبرا عن الحق: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} من المحبوسين، قال الكلبي: كان سجنه أشد من القتل، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردًا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئًا، يهوي به في الأرض. {قَالَ} له موسى حين توعده بالسجن: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ} أي: وإن جئتك، {بِشَيْءٍ مُبِينٍ} بآية مبينة، ومعنى الآية: أتفعل ذلك وإن أتيتك بحجة بينة؟ وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بعد البيان.

.تفسير الآيات (31- 43):

{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلإ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)}
{قَالَ} له فرعون، {فَأْتِ بِهِ} فإنا لن نسجنك حينئذ، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} فقال: وهل غيرها؟. {وَنزعَ} موسى، {يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} {قَالَ} فرعون {لِلْمَلإ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}؟ {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}. {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}. {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وهو يوم الزينة. وروي عن ابن عباس قال: وافق ذلك اليوم يوم السبت، في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز. {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة؟ {لَعَلَّنَا} لكي، {نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} لموسى، وقيل: إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء، وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما. {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}. {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}. {قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ}.